ونجد في العصور التي تلت ذلك أن كل فكرة ما عدا الدين قد طمست واندثرت، وبقي الخلاف بين الشيعة والسنة، وبين الباطنية وغيرهم، وبين فئات مختلفة؛ لكنه على أساس من الدين، وإن كان فيه نوع من الجاهلية، فالطرف الآخر المخالف لـأهل السنة والجماعة نجد أن تعصبه جاهلي في كثير من الأوقات، لكن نجد في الأخير أن تلك الخلافات لم تكن ترجع إلى نعرة عنصرية، وإنما هي كما يسمى الآن: النعرة والفكرة الطائفية.
وتمزقت الأمة إلى دويلات، فتجد أن حلب دولة ، و دمشق دولة ، و أنطاكية دولة ، و الموصل سلطنة، فهنا دولة، وهنا سلطنة، وكل دولة من هذه الدول -وإن كانت ليست مثل الدول الآن: لها وجود واضح ومتميز- كانت كلها عبارة عن ولايات صغيرة متباعدة متناحرة متعادية، حتى شاء الله عز وجل وجاء الصليبيون، فلقنوا الأمة درساً عظيماً، فانتبهت من غفلتها، وبدأت ترجع إلى وحدتها عندما ظهر نور الدين و صلاح الدين ، ثم جاء المماليك، وهؤلاء ليسوا عرباً، والسلاجقة ليسوا عرباً، والأصل في هؤلاء جميعاً والغالب عليهم هو العنصر التركي، والترك -كما هو معلوم- دخلوا في الإسلام ولم يكونوا من العرب، فظلوا يحملون راية الإسلام إلى أن ظهرت فيهم القومية الطورانية كما ذكرنا.